في إطار مشروع "النساء والسلام"، قدمت الكاتبة اروين بايز مقالة صحفية تناولت فيها قضية ضرورات التوجه المدني والمساواة والمواطنة ضمن قانون الأحوال الشخصية العراقي واحكام الميراث.

 

ضرورات التوجه المدني والمساواة والمواطنة ضمن قانون الأحوال الشخصية العراقي واحكام الميراث

 

في الوقت الذي يكفل الدستور العراقي المساواة بين الجنسين، والحريات الدينية للعراقيين، وتنظيم احوالهم الشخصية وفق معتقداتهم الدينية، الا ان قانون الاحوال الشخصية العراقي بصيغته الحالية مايزال يحوي في سطوره فقرات تمييزية ضد الفئات المهمشة من النساء والأقليات الدينية، لاسيما الاقليات الغير معترف بها، ويتم تطبيق احكام الدين الاسلامي على هذه الأقليات، وعلى النساء بشكل عام، خاصة فيما يتعلق بأحكام الميراث. إذ يفرض القانون تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية حتى في حالات غير المسلمين، مما يؤدي إلى انتهاك حقوق الأقليات ويكرّس الفجوة بين الجنسين في توزيع الميراث. ورغم المطالبات المستمرة بإصلاح هذا القانون، ذهب الإصلاح في اتجاه يخدم الفئات المسيطرة وليس المهمشة والضعيفة.

 

يلقي هذا الواقع اعباء ثقيلة على كثير من النساء لاسيما نساء الاقليات، ويزيد من معاناتهن من التمييز، حيث تُحرم كثير منهن من حقوقهن المشروعة لصالح الورثة الذكور، سواء من خلال الضغوط العائلية أو التلاعب القانوني، او ايجاد نصوص مساندة للرجال، دينياً واجتماعياً وقانونياً، تقف ضدهن، وتلغي تمتعهن بحقوق الإنسان، بسبب هويتهم الجنسانية او الدينية.

 

وفقًا للقانون العراقي الحالي، يُوزّع الميراث غالباً وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، مما يعني أن النساء يحصلن على نصف ما يحصل عليه الرجال في معظم الحالات. كما أن بعض الأقليات الدينية غير المسلمة مجبرة على الخضوع لهذه الأحكام، حتى لو كانت لديهم تقاليد دينية مختلفة في توزيع الميراث. هذا التمييز لا يقتصر فقط على النصوص القانونية، بل يمتد إلى الممارسات الاجتماعية، حيث تواجه النساء تحديات كبيرة في المطالبة بحقوقهن الميراثية، مثل الضغوط الأسرية أو الابتزاز العاطفي، بسبب المفاهيم والقيم الاجتماعية السائدة، والتي ينبغي للقانون العراقي ان يحوي اليات تمنع التمييز الاجتماعي ضد النساء والاقليات، وفقاً لالتزاماته الدستورية والدولية لحقوق الانسان.

 

علاوة على ذلك، تستغل الجماعات المسيطرة وممن لديهم السلطة الثغرات القانونية لحرمان النساء من الميراث، إما عبر إجبارهن على التنازل عن حصصهن أو عبر استغلال إجراءات التقاضي الطويلة التي ترهق النساء ماديًا ونفسيًا. هذه الأوضاع تؤكد الحاجة الملحة إلى إصلاح تشريعي يضمن العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، بغض النظر عن دينهم أو جنسهم.

 

ضرورة إصلاح القانون واعتماد نظام مدني

ان تبني قانون أحوال شخصية مدني يضمن المساواة في الميراث بين الجنسين، مع منح الأقليات الدينية حق الاحتكام إلى قوانينهم الخاصة، سيسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز المواطنة المتساوية، بحيث يتمكن الجميع من التمتع بحقوقهم دون تمييز.

 

إن تبني نظام مدني في الأحوال الشخصية ليس مسألة تشريعية فحسب، بل هو ضرورة مجتمعية تلبي احتياجات العراق كدولة متعددة الأديان والطوائف. فالدستور العراقي ينص على مبدأ المساواة بين المواطنين، لكن القوانين الحالية تتعارض مع هذا المبدأ، مما يستوجب إصلاحها لتتوافق مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.

 

تحديات التغيير وآفاق المستقبل

رغم المطالبات المستمرة بإصلاح القانون باتجاه غير تمييزي، لا تزال هناك معوقات تحول دون تحقيق هذا الهدف، أبرزها المعارضة من التيارات الدينية والسياسية التي ترى في هذا التعديل تهديدًا لهويتها الثقافية. لكن التجارب الدولية والإقليمية أثبتت أن الإصلاح القانوني في قضايا الأحوال الشخصية لا يعني بالضرورة التخلي عن القيم الدينية، بل يمكن تحقيق توازن يضمن حقوق الأفراد دون الإخلال بالمعتقدات الدينية.

ختامًا، ترى الكاتبة ان إصلاح قانون الأحوال الشخصية العراقي واعتماد نظام مدني للميراث هو خطوة ضرورية نحو تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. وتضامن المشرّعون والمجتمع المدني معًا للضغط من أجل هذا التغيير سيكون خطوة فعالة لضمان حقوق النساء والأقليات وتمكينهن من العيش بكرامة في ظل دولة تحترم التعددية والمواطنة المتساوية.

 

=========

مشروع (النساء والسلام)

مشروع نفذتها منظمة السلام والحرية بالشراكة مع منظمة النساء من أجل نساء العالم في محافظتي كركوك ونينوى، 2024-2025، وبدعم من الوكالة البريطانية للتنمية.